18‏/9‏/2011

هل قضينا على التوريث؟

إن الأيام دول ليتمكن الجميع من التناوب بين الأحوال وحتى يحظى الجميع بنفس الفرص ويدخل نفس المجالات ولا يستأثر بها أحد فى قطاع معين أو منصب مميز وحتى يشعر الجميع بأنهم سواء فاليوم ربما أكون غفيرا وغدا ربما أصبح أو يصبح إبنى وزيرا واليوم ربما أكون غنيا وغدا ربما أصبح أو يصبح ابنى فقيرا وهكذا هى سنة الحياة التى هى فى الأصل الحد الفاصل بين الناس بمختلف طبقاتهم وعلى تباين إنتماءاتهم وسنة الكون هى ما يتماشى مع العدل والحق والقانون ولما قامت ثورتنا الخالدة ضد الظلم والفساد لم يكن المقصود هو مجرد ظلم وفساد الحاكم ورجاله فحسب بل ضد الظلم عموما مهما كان مصدره ومهما كانت شخوصه ولا يصح بأى حال أن يثور الشعب ليسقط النظام ويحارب التوريث ضد شخص بعينه وإنما محاربة التوريث بجميع أشكاله وضد جميع الأشخاص وهنا نتساءل هل حقا قضينا على التوريث بشكله العام والإجابة الواضحة هى لا والقطاعات لدينا كثيرة والتى تشهد وشهدت عمليات توريث منتظمة تصل إلى حد التقنين ولا يستطيع أحد من العامة تجاوزها أو الدخول إلى سراديبها حيث أصبحت مقصورة على أصحابها يحكمونها ويورثونها لأبنائهم أولا ثم لمن يشاءون من البشر ثانيا فالقضاء الشامخ كان ولا يزال لا يدخله أحد من غير أبناء القضاة والمستشارين فهذا مستشار وابنه وكيل النائب العام وذاك قاضى وابنه مدعى عام ولا تجد من بين هؤلاء من لا تربطه صلة قرابة أو نسب بمن سبقوه بل هناك عائلات كاملة من الجد والإبن والحفيد جميعهم داخل نفس القطاع وها هى الداخلية فلن تجد فردا إلا وتربطه صلة قربى بمن سبقوه فها هو الأب سيادة اللواء وها هو الابن سيادة المقدم أو النقيب وغير هؤلاء من ذوى القربى ومن ذوى المال والأعمال وليس بينهم من ليس منهم فإما ذوى السلطة وإما ذوى المال وها هو الإعلام بقطاعاته ووسائله المختلفة فها هو رئيس قطاع كذا وابنه مقدم برنامج هنا وها هى رئيسة قناة كذا وابنها أو ابنتها رئيس تحرير كذا وها هى مقدمة برنامج كبير وزوجها يشغل أيضا منصب كبير أما عامة الشعب فلهم الله ولهم الوظائف الدنيا إن وجدوها وليس لهم نصيب مما يكنز هؤلاء لأنفسهم ولأبنائهم وغيرهم الكثير بل ربما فى كافة مؤسسات الدولة لا تجد سبيلا لمكان أو وظيفة متدنية إلا إذا كان لك فيها مدخلا أو وسيطا وهكذا تدار مؤسسات الدولة إما بالتوريث وإما بالوساطة ولا مجال للكفاءة فأصبح الجالسون فى المناصب هم أصحاب النفوذ وأصحاب المال وجلس أصحاب العقول والأفكار على المقاهى وفى الأركان وهكذا إنتشر الفساد فى أرجاء المؤسسات وإستشرى الجهل بين القادة وصناع القرار لأنهم ما جاءوا لكفاءتهم أو جدارتهم وإنما لوراثتهم وسطوتهم فأصبحت مختلف مؤسسات الدولة لا يحكمها العدل والكفاءة بل يحكمها ويسن قوانينها الفاسدون والمفسدون الذين لا يعنيهم سوى مصالحهم الشخصية فباتوا يسنون القوانين التى تخدمهم وتخدم أبناءهم وأجيالهم وأغلقوا كل الأبواب أمام عامة الناس وأصبحت تلك القطاعات حكرا على أصحابها وملكا لقادتها الذين نصبوا أنفسهم ملاكا لها وليسوا عاملين بها ففسدت القطاعات وتهدمت المؤسسات وفقدت الكفاءات فإمتلأت بالفساد والجهل فوصلنا إلى ما نحن عليه لا نثق فى أحد ولا نصدق أحدا لأننا كيف نأتمن من أخذ منصبا ليس بحقه على أرواحنا وحياتنا فلقد ورثوا الدنيا وما فيها ويورثونها كيف شاءوا فكيف ننتظر ممن هدموا كل القيم وضربوا عرض الحائط بكل المبادىء وحطموا كل القوانين وإنتهكوا كل الأخلاق فكيف ننتظر منهم عدلا أو صدقا أو جهدا وقد جاءوا بلا عناء ودون مشقة ودونما إستحقاق ولم يكن لديهم سوى قرابة أو نسب مع هذا أو ذاك وأصبحت المؤهلات هى الصلات والقرابات وأهملت الكفاءات والخبرات وضاعت معها المثل والقيم والأخلاق وأصبح يتحكم فينا كل من هم دون المستوى ولم تعد الأيام دول بل أصبحت غرفا مظلمة تتآكل بداخلها كل المبادىء والقيم وتتوه فيها كل الكفاءات ويخرج علينا كل يوم من هم بلا عقل أو رؤية فصار المجتمع بلا بصر أو بصيرة فضاعت الحقوق وإنتهى العدل فهل حقا قضينا على التوريث أم أننا لا زلنا فى بداية الطريق؟

ليست هناك تعليقات: