30‏/8‏/2011

إنفلات إعلامى أم إنفلات أخلاقى ؟

لاشك أن الإعلام بوسائله المختلفة يقوم بدورهام بل وخطيرعلى مستوى المجتمع ككل وله رسالة هامة فى تنوير المجتمع ونشر الوعى ونقل الأحداث ومناقشة الأفكار وما جاء الإعلام إلا لأجل هذه الأهداف ونقصد هنا الإعلام الصحيح الذى من شأنه تثقيف وتوعية أفراد المجتمع ونشر الحقيقة دون زيادة أو نقصان وفتح أبواب الحوار بين مختلف الأطياف لتبادل الرؤى والأفكار من أجل ترسيخ فكر مستنير ونبذ أعمال التفريق والعمل معا من أجل بناء مجتمع واع يعيش داخل وطن واحد وتلك من أهم وظائف وسائل الإعلام المختلفة ولكن بعد ثورة 25يناير ما نتابعه ونشاهده ونسمعه من خطاب إعلامى يحتوى فى أغلبه على رسائل تشويه وتضليل بل وإثارة ربما تصل إلى حد التحريض سواء ضد ما يسمى بالنظام السابق فيطلع علينا الإعلام كل يوم بما هو جديد فى محاولة لإزاحة بقايا النظام بل محاولة محوه من الذاكرة ومن حياة الشعب وربما ما تنقله إلينا وسائل الإعلام بخصوص هذا النظام البائد ما يمثل حقيقة أو بعضا منها ولسنا هنا بصدد تقييم أداء ذلك النظام لأنه سقط وليس له من عودة ولكن نتحدث عن الخطاب الإعلامى نفسه وعن أداء هؤلاء الإعلاميين منذ قيام الثورة وبعدها وبنظرة عابرة لا تحتاج إلى تعمق تجد أن هؤلاء الإعلاميين هم أنفسهم الذين ورثوا الشاشات والصحف منذ طفولتنا وها هم نفس الشخوص الذين كانوا يصفقون ويهللون للنظام السابق وها هى نفس البرامج الحوارية بمقدميها الذين تباكوا كثيرا أثناء الثورة وبكوا ودمعوا العين فى برامجهم بل حاولو أن يبكونا معهم بعد خطاب الرئيس المخلوع وها هم أنفسهم الذين فندوا وفسروا كلمات هذا الخطاب بل وطالبوا بالإنتظار بضعة أشهر حتى رحيل النظام فى محاولة لإقناعنا بالرجوع إلى منازلنا لأن الرجل قدم الكثير ولا حاجة لإستمرار التظاهرات وها هم أنفسهم بعد سقوط النظام يبحثون فى الأرشيف ليقدموا لنا ما يشوه صورة الرئيس المخلوع ونظامه وها هم يفتشون فى كل الأوراق حتى يجدوا لنا ما يشفى صدورنا وها هم أول المهللين والمكبرين بسقوط النظام وها هم بعدما تباكوا عبر الشاشات وأمام الملايين ها هم يباركون ويزفون البشرى بسقوط النظام وزوال الجبروت وها هم يتلونون حسب النظام القائم وحسب صاحب الكلمة العليا وليس حسب صاحب الكلمة الحق فها هم يتخيرون الهجمات وينوعون الأهداف فمن مهاجمة وتشويه النظام البائد إلى مهاجمة وتشويه الحكومات المتعاقبة بعد الثورة بل لم يتركوا أحدا إلا وهاجموه فها هم يهاجمون المجلس العسكرى وحكومته وها هم يهاجمون كل مسئول وها هم ينافقون كل من يحمل لقب ثائر أو يحمل لافتة إئتلاف ظنا منهم بأن هؤلاء الثوار هم أصحاب الثورة ولا أحد سواهم أما الباقون فإما من الفلول وإما من أصحاب حزب الكنبة كما وصفهم أحدهم وها هم يبحثون لنا عن ديكتاتور جديد ليهللوا له ويقدسوه ويرفعوه فوق الجميع بصرف النظر عن صحة خطواته أو جدية قراراته المهم أن يكون ممن يدعون ثوار أوينتمون إلى إئتلاف فرأينا وسائل الإعلام تختلق خطابات وتفبرك موضوعات باسم الثورة والإئتلافات فأضحى هؤلاء الإعلاميون مهللين أكثر من كونهم إعلاميين يتاجرون بنا وبكل شىء باسم الثورة والثوار وبذلوا جهودا كبيرة حتى يقنعونا بمدى ولاءهم للثورة وإيمانهم بها وكرسوا جهودهم لإثبات أنهم مع الثورة والثوار على طول الخط ونسوا أن الذاكرة لم تكد تنسى دموعهم حزنا على النظام البائد أو الرئيس المخلوع ولكن بمرور الوقت صدقوا أنفسهم وإعتقدوا خطئا أن الشعب يؤمن بما يقولون فباتوا يبحثون عن الإتهامات التى يوجهونها لكل مسئول سواء سابق أو حالى بصرف النظر عن صحة الإتهام أو عدمها وأصبح الأهم لديهم كيف يرضون الثوار وإئتلافاتهم وكيف يطمسون فكر الأغلبية من الشعب  وباتوا يتاجرون بنا وبالثورة ليس إيمانا بها ولكن لترسيخ فكرة إنتمائهم للثورة والثوار ونسوا أن الشعب الذى صنع ثورة يتغنى بها العالم قادر على أن يميز الخبيث من الطيب والصادق من المنافق والحر من العبد فأضحوا يسقطون كل يوم فى مستنقع الإنحطاط الإعلامى لأنهم ما باتوا يبحثون عن خبر أو يقدمون رسالة بناء بقدر ما باتوا يبحثون عما يعكس ولا ءهم للنظام الجديد ليس متمثلا فى المجلس العسكرى وحكومته وإنما متمثلا فى الثوار وإئتلافاتهم فراحوا يقدمون ما يرضى عنهم أصحاب الإئتلافات دونما إعتبار لباقى الفئات فتخلوا عن أخلاقهم ومبادئهم فى سبيل تقمص بطولات زائفة فسقطوا فى مستنقع الكذب والتضليل والتشويش وسقطت معهم مصداقيتهم وبات واضحا أن إعلامهم لم يسقط وينفلت وحده لأنه قبله سقطت وإنفلتت أخلاقهم وضمائرهم فأصبحوا كاذبين بدلا من أن يكونوا إعلاميين .