قامت الثورة للقضاء على الفساد ومحاربة الإنحراف وإسقاط النظام وبالفعل أسقطت النظام ولكنها لم تبنى نظاما بديلا قامت للقضاء على فساد النظام ولم تقترب من القضاء على فساد أنفسنا قامت للقضاء على إنحراف النظام ولم تقترب من القضاء على إنحراف سلوكياتنا وتجاوزاتنا قامت لتقيم العدل وتقضى على الظلم فأقامت العدل على رموز النظام ولم تقترب من تحقيق العدل بين أفراد الشعب قامت لتقضى على الظلم ولم تقترب من ظلمنا لأنفسنا وظلمنا لبعضنا البعض وهكذا جاءت الثورة لنعيش بها داخل ثوب الماضى متمثلا فى محاكمة النظام وإنهاء حقبة حكمه ومحاكمة الفاسدين من رموزه فعشنا فى الماضى ولم نؤسس للحاضرأو نبنى للمستقبل فباتت ثورتنا بلا نتائج ملموسة ولم يحصد منها الشعب سوى متابعة محاكمات لأشخاص ربما لا يعنينا مصيرهم ولكن ما يعنينا بالدرجة الأولى مصيرنا نحن وإلى أين نذهب بوطننا وأين يذهب وطننا بنا وكيف نؤسس لمستقبل جديد وكيف نرسخ مبادىء العدل والمساواة وكيف نحقق الأمن والأمان بعيدا عن الفوضى والظلم والفساد وبعيدا عن الوساطة والمحاباة وكل هذا لم تقترب منه الثورة بعد ولا زلنا نعيش على أنقاض ماض ربما نحاكمه وهذا ليس بخطأ ولكن الخطأ أن نستمر فى محاكمات الماضى دون أخذ العبر والدروس ودون الوصول إلى أدوات وأسس نبنى عليها لنقيم مستقبل نتجنب فيه أخطاء الماضى ونحمى فيه الشعب من الإضطهاد ونجنبه التهميش والتبعية نحاكم الماضى لنصل إلى قواعد عامة تحكم تصرفاتنا جميعا لنصنع الحاضر ونرسم المستقبل لا أن نظل أسرى أحداث قمع وفساد من المفترض أنها قد إنتهت وواجب علينا أن نتركها لرجال يقومون عليها وننتظر نتائجها وألا ننصب أنفسنا قضاة وهيئات دفاع بل واجبنا أن نمضى جميعا فى طريقنا نحو البناء لمرحلة جديدة تحمل معها مستقبل مشرق لن يتأتى إلا بتخصص كل منا فيما يعنيه وبذل كل ما فى وسعنا فى هذه المرحلة التى تمر بها البلاد من أجل إعادة البناء على كافة المستويات وليعمل كل منا فى مجاله بكل إخلاص حتى لا نترك الوطن بلا بناء والأهم من الثورة هى نتائج الثورة وليس الهدف هو مجرد إسقاط نظام لتسقط معه الدولة ولكن الهدف هو إسقاط منظومة فساد لإعادة بناء الوطن على أسس سليمة ومبادىء راسخة قوامها العدل والمساواة ولن يتحقق ذلك بين يوم وليلة وعلينا جميعا أن نتكاتف فيما بيننا لبناء وطننا وأن نصبر قليلا حتى يتعافى وبعدها يمكننا جنى ثمار ثورتنا لا أن نتصارع جميعا حول وطن بلا قواعد ومجتمع بلا أسس ودولة بلا موارد لأننا بذلك نهدم ما تبقى وليس الوقت المناسب لمطالب فئوية أو إضرابات عمالية مع أنها من الحقوق الإجتماعية وعلينا أولا البدء بالبناء فالمصلحة العليا للبلاد تحتم علينا تأجيل مطالبنا الشخصية إلى أجل ليس بالبعيد وليس أن نتصارع ونتسابق للحصول على مكاسب هى فى الأساس ليس لها وجود ولا يصح مطلقا أن نهب جميعا لنطالب بإمتيازات فى الوقت الذى فيه الوطن فى حاجة إلى أن نمد نحن أيدينا له بالمساعدة والعطاء فالثورة لا تعنى مجرد إسقاط نظام ثم إسقاط الدولة كاملة ولكن تعنى إسقاط نظام لبناء مجتمع جديد وهذا يحتاج منا صبرا قليلا وعندها سوف نجنى أطيب الثمار ليس فحسب بل سنحيا فى وطن يسوده الأمن والأمان والعدل والمساواة فهلم جميعا إلى البناء والعمل حتى نحصد ونجنى ثمارنا.