26‏/9‏/2011

ثورة على النفس

قامت الثورة للقضاء على الفساد ومحاربة الإنحراف وإسقاط النظام وبالفعل أسقطت النظام ولكنها لم تبنى نظاما بديلا قامت للقضاء على فساد النظام ولم تقترب من القضاء على فساد أنفسنا قامت للقضاء على إنحراف النظام ولم تقترب من القضاء على إنحراف سلوكياتنا وتجاوزاتنا قامت لتقيم العدل وتقضى على الظلم فأقامت العدل على رموز النظام ولم تقترب من تحقيق العدل بين أفراد الشعب قامت لتقضى على الظلم ولم تقترب من ظلمنا لأنفسنا وظلمنا لبعضنا البعض وهكذا جاءت الثورة لنعيش بها داخل ثوب الماضى متمثلا فى محاكمة النظام وإنهاء حقبة حكمه ومحاكمة الفاسدين من رموزه فعشنا فى الماضى ولم نؤسس للحاضرأو نبنى للمستقبل فباتت ثورتنا بلا نتائج ملموسة ولم يحصد منها الشعب سوى متابعة محاكمات لأشخاص ربما لا يعنينا مصيرهم ولكن ما يعنينا بالدرجة الأولى مصيرنا نحن وإلى أين نذهب بوطننا وأين يذهب وطننا بنا وكيف نؤسس لمستقبل جديد وكيف نرسخ مبادىء العدل والمساواة وكيف نحقق الأمن والأمان بعيدا عن الفوضى والظلم والفساد وبعيدا عن الوساطة والمحاباة وكل هذا لم تقترب منه الثورة بعد ولا زلنا نعيش على أنقاض ماض ربما نحاكمه وهذا ليس بخطأ ولكن الخطأ أن نستمر فى محاكمات الماضى دون أخذ العبر والدروس ودون الوصول إلى أدوات وأسس نبنى عليها لنقيم مستقبل نتجنب فيه أخطاء الماضى ونحمى فيه الشعب من الإضطهاد ونجنبه التهميش والتبعية نحاكم الماضى لنصل إلى قواعد عامة تحكم تصرفاتنا جميعا لنصنع الحاضر ونرسم المستقبل لا أن نظل أسرى أحداث قمع وفساد من المفترض أنها قد إنتهت وواجب علينا أن نتركها لرجال يقومون عليها وننتظر نتائجها وألا ننصب أنفسنا قضاة وهيئات دفاع بل واجبنا أن نمضى جميعا فى طريقنا نحو البناء لمرحلة جديدة تحمل معها مستقبل مشرق لن يتأتى إلا بتخصص كل منا فيما يعنيه وبذل كل ما فى وسعنا فى هذه المرحلة التى تمر بها البلاد من أجل إعادة البناء على كافة المستويات وليعمل كل منا فى مجاله بكل إخلاص حتى لا نترك الوطن بلا بناء والأهم من الثورة هى نتائج الثورة وليس الهدف هو مجرد إسقاط نظام لتسقط معه الدولة ولكن الهدف هو إسقاط منظومة فساد لإعادة بناء الوطن على أسس سليمة ومبادىء راسخة قوامها العدل والمساواة ولن يتحقق ذلك بين يوم وليلة وعلينا جميعا أن نتكاتف فيما بيننا لبناء وطننا وأن نصبر قليلا حتى يتعافى وبعدها يمكننا جنى ثمار ثورتنا لا أن نتصارع جميعا حول وطن بلا قواعد ومجتمع بلا أسس ودولة بلا موارد لأننا بذلك نهدم ما تبقى وليس الوقت المناسب لمطالب فئوية أو إضرابات عمالية مع أنها من الحقوق الإجتماعية وعلينا أولا البدء بالبناء فالمصلحة العليا للبلاد تحتم علينا تأجيل مطالبنا الشخصية إلى أجل ليس بالبعيد وليس أن نتصارع ونتسابق للحصول على مكاسب هى فى الأساس ليس لها وجود ولا يصح مطلقا أن نهب جميعا لنطالب بإمتيازات فى الوقت الذى فيه الوطن فى حاجة إلى أن نمد نحن أيدينا له بالمساعدة والعطاء فالثورة لا تعنى مجرد إسقاط نظام ثم إسقاط الدولة كاملة ولكن تعنى إسقاط نظام لبناء مجتمع جديد وهذا يحتاج منا صبرا قليلا وعندها سوف نجنى أطيب الثمار ليس فحسب بل سنحيا فى وطن يسوده الأمن والأمان والعدل والمساواة فهلم جميعا إلى البناء والعمل حتى نحصد ونجنى ثمارنا.