إن ما حدث من إعتداءات إسرائيلية على جنود الجيش المصرى على الحدود ربما يتعدى حدود الحرب البارده إلى محاولة جس نبض القيادة المصرية بعد الثورة وربما التعرف عن قرب على رد فعل الشارع المصرى ولو إعتبرنا ما حدث كان بمثابة بالون إختبار لشكل العلاقة التى من المحتمل أن تربط البلدين فيما بعد عصر مبارك لأن ماحدث ليس بالجديد فقد كان يحدث ويتكرر مرارا أثناء الحكم البائد وربما تكون محاولة من الجانب الإسرائيلى فى الدفع بطريق عدم الإستقرار داخل مصر وعرقلة عملية التحول الديمقراطى وإعطاء نفسها الفرصة للبحث عن نظام جديد يلبى طلباتها أو على الأقل يضمن لها الأمن والسلام فى المنطقة ولذا لا نستبعد وقوف إسرائيل وراء ما يحدث داخل مصر من فوضى ودعوة لعدم الهدوء وتحديدا ما يحدث فى سيناء بل ربما تقوم بتدعيم وتمويل جماعات حتى تتلكأ بعدم قدرة مصر على حماية الحدود وبعدها تطالب بحماية دولية أو ربما تفكر فى حماية الحدود المصرية هى بنفسها أو السعى لإقامة منطقة عازلة تفصل بينها وبين مصر بالرغم من وجود تلك المنطقة بالفعل لأن وجود الأمن المصرى هناك لا يمثل سوى مسألة رمزية ولكنها غير ذات نفع وهنا لابد أن يكون حاضرا فى ذهن النظام المصرى مدى تعقيد وتشابك العلاقة بين البلدين والتى تحتاج إلى حسابات دقيقة بما يعطى لمصر القدرة على حماية حدودها وبسط سيادتها على كامل أراضيها وإظهار القوة المطلوبة خاصة بعد الثورة لأن هناك رأى عام داخلى يضغط بدوره على النظام ولهذا فهناك حسابات دقيقة لابد أن يتم إجراؤها بما يعكس هذا العهد الجديد وبما لا يجر البلاد فى مواجهة نحن لسنا فى حاجة إليها ولكن فى الوقت نفسه يريد الشعب أن يشعر بأن ثورته إنتقلت به من عهد كان يشعر فيه بالضعف والمهانة من النظام البائد إلى عهد يرى فيه سياسات حكومته التى تعكس العزة والكرامة وعلى المجلس العسكرى أن يتخذ موقفا حاسما وحازما يجمع بين القوة والحكمة وهذا ما يتمناه الشعب ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه حيث لاحظنا تأخر الرد المصرى على الحادثة ولم نسمع أى مسئول يدلى بأية تصريحات وترك المجلس والحكومة الشعب يخمن ويبحث عما يدور داخل الأروقة حتى طلع علينا بيان مجلس الوزراء الذى إختلف نوعيا عما كان يصدر فى العهد البائد ولكن لا يلبى طموحات الشعب فكان أقصى ما فيه طلب إعتذار من الجانب الإسرائيلى وهذا لا يرقى إلى حجم الإعتداء الذى وقع ثم أعقب هذا البيان ملحقا حمل فيه سقفا أعلى فى المطالب وهو سحب السفير المصرى من تل أبيب وما لبث الشعب يفرح بهذه الخطوة حتى يخرج علينا المجلس فينفى سحب السفير بحجة أن البيان صدر بطريق الخطأ وهنا كانت سقطة أكبر من السقطة الأولى ثم خرج علينا المجلس العسكرى ببيان باهت اللون عديم الرائحة لا يحتوى على شىء وإنعكس ذلك كله على المزاج العام لدى الشعب الذى بدا محبطا فلم يشعر بتغيير فى السياسات عما عهده فى ظل الحكم البائد وهنا نتوقف قليلا ونسأل المجلس العسكرى بصفته القائم بحكم البلاد إننا لم نطالب المجلس بإعلان الحرب على إسرائيل ولكن كان أملنا أن نستفيد من هذا الموقف لتحقيق مكاسب لطالما تمنيناها فكان يمكن للمجلس أن يرفع سقف طلباته فيطالب بإلغاء إتفاقية كامب ديفيد ويجلس الطرفان فى محاولة للتهدئة حتى نصل إلى بعض المكاسب فنتنازل عن هذا المطلب ونطلب تعديل بعض بنودها ونهدد بإلغاء إتفاقية الغاز حتى نقوم بتعديل أسعاره كانت هذه الواقعة تمثل فرصة ذهبية لمصر لتحقيق مكاسب هائلة ولكننا نسينا أن المجلس العسكرى ربما يمكنه أن يحكم ولكن لا يمكنه أن يدير على عكس ما يقول لأنه ببساطه ربما لم يتعلم يوما كيف يدير تفاوضا وكيف يحقق مكاسبا ويبقى فى النهاية أننا لم نحقق شيئا من هذه الواقعة فلم يصدر حتى مجرد إعتذار وكل ما تحقق أننا خسرنا شهداءنا وأن دماءهم ذهبت هباءا ونخشى أن تذهب ثورتنا هباء وهذا من المحال طالما بقى بيننا الرجال والأبطال إننا لا نطالب المجلس بالمواجهة مع العدو ولا ندعوا الشعب إلى التصادم مع المجلس العسكرى بالرغم من تحفظاتنا على بعض سياساته ولا نحاول إفتعال أزمة ولكن هى محاولة لتقييم أداء المجلس سياسيا وتقويمه حتى لا تتكرر الأخطاء وحتى لا تستباح الدماء وتنتهك الكرامات لأن الشعب ربما يمكنه الصبر ولكن أبدا لا يمكنه الصفح والعفو خاصة إذا كان المخطىء عدوا لدودا وسيظل هكذا أبدا ما حيينا فرجاء أن تعقلوا الأمر وأن تحفظوا لنا هيبتنا وكرامتنا وإلا فالعواقب وخيمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق