عاشت مصر سنوات طويلة فى ظل الهزيمة وعانت فيها أشد المعاناة من إحتلال الأرض والإحساس باليأس والعجز والإنكسار فى وقت لم تكن فيه آلة الحرب فى صالح الدول العربية مجتمعة وعندما بدأ الراحل السادات فى التخطيط لحرب أكتوبر المجيدة لم يكن فى حسابه أو حساب أى إنسان أن يتحقق مثل هذا النصر وربما لم يكن يخطط لمثل هذا النصر بقدر ماكان يريد العبور من الهزيمة إلى النصر ومن الخوف إلى الثقه وإثبات الذات المصرية والعربية وتخطى حاجز الخوف من العدو الذى لايقهر وجاءت الحرب وتم النصر الذى لازلنا نعيش على نتائجه والتى أبهرت العالم كله بل وأبهرت العرب أنفسهم ثم تمضى السنون ويذهب السادات لعقد إتفاق سلام مع إسرائيل وهنا تبدأ المأساة العربية ويبدأ الإنقسام العربى بالرغم من أن السادات لم يعقد إتفاق السلام إلا بعد رفض الدول العربية المعنية بالذهاب وعلى رأسهم فلسطين فما كان منه إلا أن عقد إتفاق سلام منفرد بين مصر وإسرائيل ومنذ ذلك التاريخ وأغلب العرب يتهمونه ببيع القضية الفلسطينية والتخلى عنها وأن هذا الإتفاق أخرج مصر من محور المواجهة مع إسرائيل وأتساءل هل يريد هؤلاء أن تستمر الحرب دون نهاية إذن فما الهدف منها والحرب تدور من أجل تحقيق هدف وليس من أجل الحرب ذاتها فإذا كانت من أجل إسترداد أرض فهذا صحيح بشرط توافر الإمكانيات ولكن هذه الحرب كانت مجرد عبور من هزيمة إلى نصر ومن يأس إلى أمل ومن ظلمة إلى نوروماالحرب إلا وسيلة لتحقيق سلام وهنا يتناسى العرب أننا لانستطيع الإستمرار فى حرب طويلة والإجابة ببساطة لأننا نستورد قوت يومنا فما بالنا بالسلاح ويعلم الجميع أن المصدر الرئيسى للسلاح هو الحليف الأكبر لإسرائيل إذن إلى متى ستحارب وكيف تستمر فى الحرب إن هؤلاء يخطؤون حين يتهمون السلام بأنه السبب فيما وصلت إليه الأوضاع ويخطىء من يتهم السادات بتحييده للدور المصرى بسبب تلك الإتفاقية ولنا فى التاريخ الكثير من العبر فعند التفاوض لابد أن تكون على يقين بالبدائل المتاحة لديك حتى تقبل أو ترفض الشروط ونحن لانملك الكثير من البدائل أوالإختيار فعند هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية خضعت هى للشروط الدولية وتم تقسيمها إلى دولتين أما إتفاقية السلام فقد أعادت الأرض وأتاحت العيش بسلام وإذا أردنا أن ننتقد أحد فيمجب أن ننتقد القائمين على تطبيق الإتفاقية وليس على من عقدها فالعيب ليس فيها ولكن العيب فى تطبيقها ويخطىء أيضا من يتهم مصر بخيانة القضية العربية والتعامل مع إسرائيل وهى ترتبط معها بإتفاقية سلام ولم نسمعهم يتهمون دولا عربية عديدة ليس بينها وبين إسرائيل إتفاقيات أو معاهدات بل وليس بينهما حدود مشتركة ومع ذلك تربطهم علاقات قوية وأمامنا تركيا ليس كدولة إسلامية فقط بل تعد للكثير من العرب نموذجا من نماذج النضال والتصدى وهى من أكبر حلفاء إسرائيل وأصدقائها بل يربطهما أكبر إتفاقيات عسكرية ومع ذلك لم يتهمها أحد وهذا ببساطة يعنى أن الخلل لايكمن فى الإتفاقيات وإنما فى شكل هذه العلاقات وإتخاذ المواقف المناسبة التى تليق بصاحب قضية وليس مجرد مواقف إنفعالية وشعارات مضلله وكاذبة وعلى جانب آخر لمن ينتقد إتفاقية السلام نذكر الحرب الإسرائلية الأخيرة ضد حزب الله فقد إنتهت الحرب ولم تحرر لبنان بل ورجع حزب الله إلى الوراء عدة كيلومترات ومع ذلك لم يطالب أحد أن يستمر حزب الله فى القتال حتى النصروبعدها قبل حزب الله بالشروط الدولية إذن هناك مواقف لايصح الحديث عنها عبثا فهناك حسابات وأدوات وتوازنات وقوى تتحكم فى المواقف وليس كل مايتمناه المرء يدركه وكذلك على مستوى الفرد يتعامل مع الكثير ممن لايحبهم ولكن تفرض عليه الظروف التعامل معهم وإذا عدنا إلى الوراء إلى عهد الرسول الكريم سنجد أنه كان يتعامل مع اليهود وكذلك فى صلح الحديبيه والشروط المجحفة التى أملاها الكفارعليه وقبلها لأنه يعلم الإمكانات المتاحه لديه وهكذا يكون التصرف فليس العيب فى الإتفاقيات ولكن فى كيفية التعامل معها وإدارتها من هذا كله نصل إلى أنه يجب علينا أن تكون لدينا نظرة عميقة ورؤية فاحصة لأبعاد التعامل ولإدارة المواقف فليست المشكلة فى عقد إتفاقات أو معاهدات ولكن فى كيفية إدارة المواقف وإتخاذ القرارات وأخيرا إذا كانت إتفاقية السلام تمثل خطئا فهل سعى الدول الأخرى للوصول إلى إتفاق سلام مع إسرائيل بعد مرور مايزيد عن الثلاثين عاما ليس خطئا هل فقط إتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل هى الخطأ الأوحد وباقى الإتفاقيات ليس بها ريب أم أن هؤلاء لايريدون سوى النيل من مصر إما بإستمرارها فى حرب بلا نهاية أو تشويه صورتها من هنا لابد من النظر بعمق والرؤية بوضوح والتعلم أن المواقف هى التى تميز الصواب من الخطأ وليست الإتفاقيات والمعاهدات ولذا وجب علينا أن نحيى الرئيس الراحل أنور السادات على النصر المجيد وعلى إتفاقية السلام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق